الأربعاء، 6 فبراير 2013

في السنية السياسية: الأصولية والطائفية واقصاء الاخر

لقد اتضح في الفترة الاخيرة المنطق الذي يحكم مواقف حركات الاسلام السياسي وهو منطق طائفي اقصائي منغلق فقد كانت مواقفهم من ثورة الشعب البحريني سلبي جدا وهو ما يتناقض تماما مع مواقفهم من الازمة السورية. وفي موقفهم المهادن من ثورة مصر مقارنة مع موقفهم (الثوري جدا) من الازمة السورية. سنتعامل هنا مع وقائع مأخوذة من مواقف رموز وقادة هذه الحركات.
فموقفهم من الثورة البحرينية تمثل في انتقاصهم من قيمتها واتهامهم للاحتجاجات بانها طائفية ومدعومة من الخارج فيما كانو ينادون بحماس شديد بالتدخل الخارجي لنصرة مجموعات الجيش الحر وهنا تبرز النزعة الطائفية التي تشكل جوهر تفكير هذه الجماعات فهم ضد ثورة الشعب البحريني لانها ضد النظام السني بينما هم مع المجموعات الجهادية في حربها ضد الجيش السوري والدولة السورية ليس لان رأس النظام من الطائفة العلوية فقط ولكن لاسباب اخرى ستوضح لنا سمة اخرى من سمات تفكيرهم الاقصائي.
اما العامل الاخر الذي يحكم مواقفهم فهو العامل الايديولوجي فهم في حرب شعواء ضد الجيش السوري والنظام السوري لانه يرفع شعار القومية العربية ولانه يجعل اهدافه (وحدة حرية اشتراكية)-على الرغم من مساويء النظام وجرائمه فنحن لسنا بصدد الدفاع عنه-وهذا ما يوضح اسباب انقلاب حركة حماس الحليفة للنظام السوري ضده وهروب قادتها الى قطر عساهم يجدون فيها الداعم والحليف الجديد للمقاومة !فهم لم يستطيعوا الوقوف حتى موقف حيادي من صراع رفاقهم الاسلاميين ضد النظام القومي العلماني الكافر.
وكذلك كانت مواقف السلفيين في مصر فالذين كانو يدعون المتظاهرين في التحرير الى التراجع ودرء الفتنة عن بلادهم وعدم الخروج على ولي الامر مبارك عندما وصل الامر الى سوريا اصبحوا يدعون الى الجهاد ضد حزب البعث القومي الكافر.
لا حاجة للاطالة لان مواقفهم كلها مستنسخة عن عقلية احفورية واحدة ولكن يجب ان نذكر ان هؤلاء لا يتخذون مواقفهم بناء على مباديء تحترم مصلحة الشعوب والاوطان بل بناء على الخلافات العقائدية والفكرية مع الاخر الكافر بنظرهم انهم لا يملكون اي مشروع او رؤية مستقبلية انهم لا يملكون سوى تقديسهم للماضي وحلمهم المستحيل باستنساخه لهذا فهم معدومي الهوية السياسية انهم يحددون موقعهم بناء على اختلافهم مع الاخرين.
في عهد عبد الناصر تم اعتقال وتعذيب الالاف من اليساريين ولكنهم مع ذلك عندما ابصروا انجازات ثورة يوليو للشعب المصري والعربي امنوا بها وبزعيمها على الرغم من انهم كانوا في المعتقلات وتحت التعذيب وحتى اليوم يعتبر اليساريين عبد الناصر رمزا من رموز التقدم والمشروع النهضوي العربي ولكن الاخوان كانوا ضد المشروع الناصري من اساسه لانه كافر وضد الشريعة(ضد مصلحة الاقطاع والرأسمالية)وحاولوا اجهاض الثورة بالعنف ولم يستطيعوا الى اليوم نسيان ما فعله عبد الناصر بقادتهم فهم لا يضيعون فرصة للنيل منه ومن انجازاته لمجرد اختلافهم الفكري معه.
هذا هو منطقهم.

في السنية السياسية: الميكافيللية السياسية وفقه الواقع

تعتبر حركات الاسلام السياسي اللاعب الاهم والاقوى على الساحة السياسية العربية في الوقت الحاضر فقد بدت قوة الاسلاميين الانتخابية واضحة من خلال سيطرتهم الكبيرة على جميع الانتخابات التي جرت في الفترة الاخيرة في الدول العربية التي شهدت ثورات شعبية كما ان المجموعات المسلحة الموجودة في سوريا على اختلاف اسمائها ومواقعها تظهر توجهات اصولية متطرفة مما ينذر باستحواذ مرتقب لهذه الحركات على السلطة في سوريا في حالة الحسم العسكري.
لذلك لا بد من النظر الى هذه الجماعات وتحديد الدور الذي تلعبه والمصالح التي تمثلها والاهداف التي تسعى اليها كما لا بد من النظر الى الاختلاف الواضح بين خطابها المعلن قبل الوصول السلطة وبعده والاختلاف بين خطابها المعلن للجماهير وممارساتها في الخفاء.


الميكافيللية السياسية وفقه الواقع:
يثير الاختلاف الشديد بل التناقض الرهيب في خطاب هذه الحركات وممارساتها العجب والدهشة بل والجلطة الدموية فقد عرض قبل ايام مقطع فيديو على احد القنوات يظهر فيه الرئيس محمد مرسي في حديث يعود لعام 2010 وهو يشتم ويسب باليهود ويصفهم بالقردة والخنازير ويستنكر اي سلام او تفاوض معهم ويطالب بالغاء اتفاقية العار كما ان الداعية الاسلامي المدعو صفوت حجازي كان يهتف في حملة الدكتور مرسي عالقدس رايحين شهداء بالملايين ولكن عندما وضع سيادة الرئيس الدكتور المهندس مرسي على المحك اثبت انه خائن بامتياز للوطن والعروبة والقضية فقد ارسل سفيره الى الكيان الصهيوني برسالة سلام ومحبة للقتلة ومجرمي الحرب الذين ارتكبوا ويرتكبون باستمرار ابشع الجرائم في حق شعبنا البطل ولم يكتفي بذلك بل بعث برسالة غرامية لصديقة العزيز بيريز وتمنى له ولبلاده المزيد من التقدم والازدهار اي للكيان الصهيوني!!!
وقد خرج القيادي الفذ عصام العريان قبل ايام بتصريح يدعو فيه اليهود من اصول مصرية المقيمين في فلسطين المحتلة والذين طردهم عبد الناصر (ونسي او تناسى من الذي قام بتفجيرات لمحالهم ومساكنهم وهم الاخوان في الاربعينيات والخمسينيات) وهو بهذا يجعل حق العودة للشعب الفلسطيني مشروط بعودة اللاجئيين اليهود الذين هجروا من الاراضي العربية وعلى الرغم من عبثية هذه الدعوة وتفاهتها فانها محاولة مكشوفة لتملق القيادة الصهيونية وابداء حسن النية تجاهها.
لم يقف طائر النهضة المشؤوم عند هذا الحد واستمر بالنعيق والتبرز بشكل مستمر منذ تسلم سيادة الرئيس محمد مرسي السلطة فلم يقتصر الكذب والتضليل والدعارة السياسية على السياسات الخارجية بل كان هذا الاسلوب ومنذ البداية هو جوهر المشروع النهضوي للاخوان المفلسون فقد هرول هؤلاء الاسلاميون انصار الشريعة على البنك الدولي لأخذ قرض ربوي حسب رأيهم القديم ولكنه لم يعد ربوي عندما اصبح انصار الشريعة هم من يريدون الاقتراض فأصبحت الفائدة مصاريف ادارية حلال 100% وتجاهلو الكوارث التي تسببها هذه القروض على الطبقات الكادحة التي تشكل اغلبية المجتمع المصري فهم بهذا قد سلكوا طريق السادات-مبارك في الانفتاح الاقتصادي والنيوليبرالية ولا عجب في ذلك فهم الذين عارضوا الاصلاح الزراعي في عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وهم الذين يمثلون مصالح رجال الاعمال والبرجوازية الملتحية.
كل هذا التلون والتناقض في الاراء والمواقف يكشف عن افلاس سياسي وفكري وعن عقلية انتهازية تهدف فقط للاستحواذ والتكويش لتحقيق مصالح طبقية وشخصية بعيدا عن المصلحة الوطنية وعن الثوابت القومية والقيم الثورية التي استشهد في سبيلها المئات في ثورة 25 يناير.
لقد خرج الثوار يهتفون في البداية خبز حرية عدالة اجتماعية ولكن للأسف برنامج حركات الاسلام السياسي بشكل عام والاخوان بشكل خاص لا يتضمن اي من هذه المباديء التي قامت لأجلها الثورة بل هم لا يتورعون عن الوقوف ضد هذه المباديء في سبيل تحقيق اهدافهم.

في الأزمة السورية

تعتبر الازمة السورية الحدث الاهم والاكثر اثارة للجدل والخلافات على الساحة العربية وهي تختلف تماما عن بقية ثورات الربيع العربي في مصر وتونس واليمن التي حظيت بتأييد واسع فهناك انقسام شديد يسود الرأي العام العربي حول الموقف من هذه الازمة واعتقد ان ذلك يعود لسبب بسيط هو انه في مصر وتونس كان هناك صراع بين نظام مستبد وشعب ثائر ولكن ما يحدث في سوريا يختلف تماما فقد تحولت الاحتجاجات الشعبية السلمية الى معارضة مسلحة مدعومة من جهات خارجية ومرتهنة للغرب تستخدم العنف بأبشع صوره وبشكل لا يختلف ابدا عن وحشية النظام واجرامه.
المشكلة هي ان الكثيرين لا ينظرون الى المسألة الا بشكل انفعالي بعيد عن الموضوعية فهم ينظرون اليها من زاوية واحدة فقط .
اعتقد ان هناك الكثير من العوامل التي يجب اخذه بعين الاعتبار عند النظر الى هذه الازمة ومن المؤكد انه لا يمكن النظر الى احدها واهمال الاخر بل يجب اخذها جميعا بعين الاعتبار لتكوين موقف متزن يلتزم بالثوابت الوطنية والقومية كما يلتزم بتطلعات الشعب السوري للحرية.
يمكن تقسيم العوامل التي تتحكم بالموقف من الازمة السورية الى قسمين فهناك عوامل داخلية تتمثل بفساد النظام وقمعيته واتباعه اساليب غير انسانية في مواجهة الاحتجاجات السلمية كما تتمثل بغياب العدالة الاجتماعية ولكن من جهة اخرى فان بقاء النظام يضمن نوع من الاستقرار الاجتماعي والسياسي في سوريا(كما في لبنان من خلال تحالفاته) فهو صمام الامان الذي يسد الطريق امام الكارثة التي تتربص بسوريا ولبنان وهي الحرب الطائفية كما انه الضامن والحامي للعلمانية والتقدم فهو خط الدفاع الاخير امام المد الرجعي الذي يسود العالم العربي والذي ينذر بسيطرة الفكر الديني المتطرف حسب رأي المؤيدين له.
ومن ناحية اخرى هناك مجموعة من العوامل الخارجية تتمثل في دور سوريا في عهد النظام والذي يظهر من خلال دعمها للمقاومة اللبنانية والفلسطينية ودخولها في تحالف مع ايران واستقلالها عن التبعية للغرب كما انه لا يمكن انكار الناحية الايجابية للسياسة الخارجية للنظام والمتمثلة في علاقاته مع دول البريكس او دول المعسكر الجديد والتي تمنحه قوة في مواجهة الغرب والكيان الصهيوني ولكن ومن ناحية اخرى فان للنظام بعض المواقف الخارجية التي لا يمكن اعتبارها في صف المقاومة والممانعة للغرب والامبريالية فالنظام وقف مع التدخل الخارجي في حرب الخليج كما انه تدخل في لبنان في بداية الحرب في صف المعسكر اليميني الانعزالي ضد القوى الوطنية وهو موقف غير مفهوم وبرر ذلك في خطابه الرسمي بحرصة على حماية الاقليات لمنع الكيان الصهيوني من التدخل في لبنان بهذه الحجة كما انه تورط في اغتيال الزعيم اللبناني كمال جنبلاط مما اسهم في اضعاف الحركة الوطنية ولا يمكن تجاهل قبوله لمبادرة السلام العربية وهو ما يتنافى مع سياسة المقاومة للعدو الصهيوني.
لقد اطلنا في عرض مختلف الامور التي لا بد ان تؤخذ بعين الاعتبار عند اتخاذ موقف معين من هذه الازمة سواء مع النظام ام مع المعارضة
واذا نظرنا الى الامر بموضوعية سنخلص الى ان السلبيات المترتبة على رحيل النظام بالتدخل الخارجي الاستعماري -وهو امر مرفوض نهائيا من ناحية المبدأ-او من خلال الحسم العسكري للمعارضة المسلحة تفوق الايجابيات بل ربما يؤدي الى وقوع سوريا في كوارث لا تحمد عقباها خاصة اذا نظرنا الى طبيعة المجموعات التي يتكون منها ما يسمى بالجيش الحر والتي يتبنى معظمها فكر طائفي تكفيري كما انها لا تخفي تلقيها الدعم من الغرب ومن دول الخليج ووجود مقاتلين من خارج سوريا في صفوفها والواجهة السياسية للمعارضة الخارج من المجلس الوطني(او مجلس اسطنبول) والائتلاف الوطني المعارض لا تقل سوءا عن المجموعات المسلحة فهي مدعومة بشكل رسمي وعلني من الغرب كما انها على تفاهم كامل مع الادارة الامريكية وبالتالي فهي تعتبر منفذة لسياساتها وضامنة لمصالح الكيان الصهيوني في المنطقة.
بالمقابل فان الحل السياسي لن يتيح لهذه القوى المشبوهة السيطرة على سوريا كما انه سيحافظ على وحدة سوريا وعلى مؤسسات الدولة السورية فهناك معارضة وطنية شريفة حريصة على مصلحة الوطن واستقلاله فهناك هيئة التنسيق بقيادة المناضل هيثم مناع وهناك بعض الاحزاب السورية التي تتبنى منهج التغيير السلمي وهي ما اصطلح على تسميتها بمعارضة الداخل.


ان تسلم احد الاطراف المشبوهة من المعارضة السورية يصب في مصلحة الغرب والقوى الامبريالية التي تسعى لفرض سيطرتها على المنطقة والقضاء على دور سوريا باستبدال النظام السوري بنظام تابع للغرب ومنفذ لسياساته يكون صديق عزيز للكيان الصهيوني كما النظام الاخونجي في مصر.
وبالتالي ليس هناك بديل عن الحل السياسي فانقاذ سوريا اهم من الانتقام والعنترة واخذ الثأر المسألة ليست في شخص بشار الاسد او غيره المسألة تكمن في ضرورة انقاذ سوريا والحفاظ على وحدتها واستقلالها ودورها المقاوم بدون اهمال تطلعات الشعب السوري الى حقوقه في الحرية والعدالة الاجتماعية .